في محاولاتها للمحافظة على احدى الثروات المهدورة منذ سنين حاولت تونس تثمين الغابات و استرجاع الأراضي المهمشة أو التي تمت حيازتها دون إذن قانوني . فنجحت خلال الأشهر الأولى من عام 2024 في استرجاع أكثر من 5000 هكتار من غطائها الغابي المفقود بسبب حرائق السنوات الماضية والتي تسببت فيها ارتفاع درجات الحرارة بسبب التغيرات المناخية أو الأخطاء البشرية لمرتادي الغابات من أجل الاستجمام أو الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالغابات. وتملك تونس غطاء غابيا شاسعا يمتد على مليون و250 ألف هكتار وسوء الاستغلال وجفاف المناخ رغم أنه يسهم بـ1.33 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، و14 بالمئة من الناتج الفلاحي بحسب مؤشرات رسمية لوزارة الفلاحة.
وذكرت تقارير نشرتها وزارة الفلاحة أن الحرائق أتت خلال الفترة الممتدة من 2020 إلى 2023 على 56 ألف هكتار، بينها 18 ألف هكتار استعادت منظومتها الغابية بصفة طبيعية، فيما تم التدخل في مساحات أخرى لإعادة زراعتها ومازال 16 ألف هكتار من الغابات في حاجة للتدخل والتشجير. مدير عام الغابات بوزارة الفلاحة محمد نوفل بن حاحة، أن الإدارة نجحت في غرس المساحات الغابية بنسبة 60 بالمئة مشيرا أن سرعة عودة الغطاء النباتي تعتمد على استقرار المناخ وكميات الأمطار المتساقطة .
من جهته، حذر المرصد الوطني للفلاحة، في نشرته الشهرية، من خطر فقدان تونس لـ18 ألف هكتار من غابات الفلين في أفق عام 2050 بسبب قطع الأشجار والرعي مفرط فضلا عن التغيرات المناخية وانعكاساتها. وأفاد المرصد بأنّ مساحة الغابات في تونس تقلصت جراء موت أشجار الفلّين التي تعد مادة أساسية لانتاج الخفاف وتعد رافدا اقتصاديا مهما بما توفره من مواطن شغل وعائدات لسكان المناطق الغابية، إذ تسمح غابات الفلّين باستخراج 7.6 مليون وحدة علفية سنويا، كما توفر 50 بالمائة من عائدات مبيعات المنتجات الغابية. ونبه مرصد الفلاحة من تراجع الإنتاج السنوي من الفلّين من 9 آلاف طن خلال الثمانينات إلى 4 آلاف طن، حاليا بسبب استنزاف الغابات.التي تعتبر مورد رزق لمليون شخص .. أي حوالي 200 ألف عائلة يعيشون في الغابات وينشطون في استخراج الخفاف من أشجار الفلّين وبيع أخشاب الغابات لاستعمالها في التدفئة والطهي، فضلا عن استغلال منتجاتها مثل الصنوبر والخروب والبندق ونبتة الحلفاء .
في عام 2020 قام فريق دولي من العلماء بعمل مراجعة بحثية لـ57 دراسة سابقة في هذا النطاق، وأظهرت جميعها روابط بين تغير المناخ وزيادة تواتر وشدة طقس الحرائق، والذي يعرّف بأنه الظروف الملائمة لنشوب حرائق غابات، مثل درجات الحرارة المرتفعة وانخفاض الرطوبة وانخفاض هطول الأمطار والرياح العاتية. في تونس أعلنت السلطات المختصة العام الماضي . اندلاع َ 16 حريقا بمناطق الغابات في 8 ولايات مختلفة بشكل متزامن. وشكل حريق منطقة ملولة الخطر الأكبر من حيث رقعة اتساعه وأرجع المختصون السبب إلى التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة .
ويحذر خبراء البيئة من أن نسبة كبيرة من الحرائق التي تشهدها تونس كل صيف ليست إلا بفعل فاعل، وتقف وراءها عصابات سرقة الخشب، إذ أن استغلال أخشاب الأشجار يتطلب تراخيص مسبقة، ويقيد بكميات محددة لحماية الثروة الغابية، أما الحرائق فتسمح لعصابات سرقة الخشب باستغلال عشرات الهكتارات التي احترقت، وخصوصاً أن الأشجار لا تحترق نهائياً بل تبقى منها أجزاء كبيرة يمكن استغلالها. وأوضح الخبير في القضايا البيئية وتغير المناخ، حمدي حشاد أن مئات أشجار الزان التي يصل عمرها لمئات السنين، وتصنف موروثا إيكولوجيا قطعت من أجل صناعة الفحم من قبل أشخاص يبحثون عن تحقيق الأرباح المادية على حساب الثروة الغابية. وأكد حشاد أن التغير المناخي الناجم عن النشاط البشري يعد سببا في زيادة نشاط حرائق الغابات في تونس إلى جانب التغيّرات الطبيعية في المناخ، موضحا أن تونس تشهد ارتفاعا متواصلا في حرائق الغابات على مدى العقود الأخيرة بسبب التغيّرات المناخية والارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة على غرار حرائق غابات شمال تونس في صيف 2023، كما تسجل حرائق مفتعلة واعتداءات على الغابة جراء الأفعال البشرية المشبوهة بما يهدد الغابات والبيئة والاقتصاد المحلي للمناطق الغابية.
جهود متواصلة للحد من التجاوزات التي تهدد رئة تونس وقلبها النابض الذي يضخ دماء الحياة لعديد من العائلات ولكن يبقى الجانب التوعوي منقوصا . خاصة وأن الانتهاكات البشرية للطبيعة تجاوزت تلك المتعلقة بالمناخ . اسامة بن عبد الله
التعليقات